الأحد 28 ابريل

عقارات

"إيفرجراند" .. "تايتانيك" الصينية التي تقاوم الغرق .. "المبالغة في توسيع النشاط" وراء الأزمة .. ولا تأثيرات سلبية على الاقتصاد المصري


إيفرجراند

يحبس العالم أنفاسه هذه الأيام ترقبا لتطورات أزمة جبال الديون التي تثقل كاهل عملاق العقارات الصيني، شركة "إيفرجراند"، وتهدد بإفلاسها، وبتأثيرات سلبية على الاقتصاد الصيني، وبسلسلة اهتزازات في الأسواق العالمية.

وعلى الرغم من خطورة الأزمة، وكونها تشكل اختبارا صعبا للاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن بعض الدوائر الاقتصادية والمالية والإعلامية الغربية، وبخاصة الأمريكية، تعاملت، وما زالت تتعامل، مع أزمة "إيفرجراند" بقليل من الموضوعية، وبخليط من التهويل والتشفي في الخصم الصيني اللدود، لدرجة تشبيه "إيفرجراند" بالسفينة الغارقة "تايتانيك" التي ينتظر لها الجميع أن تغرق، ويغرق معها "التنين" الصيني.

ووصلت حالة الترقب الأمريكية إلى حد قيام بعض وسائل الإعلام الأمريكية بإطلاق مسمى أزمة "ليمان براذرز الصينية"، في إشارة إلى الأزمة الأمريكية الشهيرة عام 2008، مبررين ذلك بأن قطاع العقارات الصيني، والصناعات المرتبطة به، يشكلون حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، بما يعني أن إفلاس "إيفرجراند" لو حدث، سيكون إيذانا ببدء العد التنازلي لانهيار صيني تاريخي.

ولكن، كيف بدأت الأزمة، ولماذا، وماذا عن تأثيراتها على الاقتصاد الصيني، والأسواق العالمية، وما هي إجراءات الحكومة الصينية لحل الأزمة، وما هو تأثير الموضوع ككل على الأسواق المصرية؟

بداية، يجب أن نعرف أن "إيفرجراند" هي أكبر مطور عقاري في الصين، وتعد من بين أكبر 500 شركة على مستوى العالم، وواحدة من بين أكثر شركات العالم تحقيقا للعائدات.

"إيفرجراند" شركة مسجلة في هونج كونج، ومقرها مدينة "شينزن" جنوب الصين، ويعمل بها نحو مائتي ألف شخص، وتساعد على توفير أكثر من 3,8 مليون فرصة عمل سنويا، وكان قد أسسها الملياردير الصيني تشو جياين، والذي تصدر لفترة طويلة قائمة أغنى رجال الأعمال في الصين.

وتمتلك إيفرجراند 1300 مشروع في 280 مدينة صينية، وتستثمر أيضا في السيارات الكهربائية، والمشروعات الرياضية، والحدائق الترفيهية، وسلاسل المطاعم، ومصانع إنتاج العصائر والمياه المعبأة ومنتجات الألبان، وغير ذلك.

ووصلت المبالغة في توسيع نشاط الشركة إلى حد أنها اشترت قبل سنوات ناديا يدعى "جوانج جو" لكرة القدم، وعرف بعد ذلك باسم "جوانج جو إيفرجراند"، وكانت توجد به أكبر مدرسة لناشئي كرة القدم في العالم، بتكلفة بلغت 185 مليون دولار، وكانت الشركة أيضا تخطط لإنشاء استاد عملاق لكرة القدم بسعة مائة ألف مشاهد، وبتكلفة 1,7 مليار دولار، وكان تصميمه رائعا على شكل زهرة لوتس، رغم أننا نتحدث في نهاية الأمر عن دولة غير متقدمة في لعبة كرة القدم، مقارنة حتى بجارتيها اليابان وكوريا الجنوبية.

بدأت مشكلة "إيفرجاند" منذ بضع سنوات، بتفاقم الديون على الشركة فيما يشبه الفقاعة، بعد أن اضطرت للاقتراض لتمويل مشروعاتها الطموحة للغاية، وساء بها الحال إلى أن أصبحت أكبر شركة صينية مثقلة بالديون، حيث بلغت هذه الديون أكثر من 300 مليار دولار، مما دفعها إلى إصدار بيان يعترف بهذا الوضع منذ الشهر الماضي، وأقرت أيضا بفشلها في العثور على مشترين لبعض من أصولها، وفي الأسبوع الماضي، أعلنت أيضا فشلها في سداد دفعتين من الديون المستحقة عليها، مما أثار الشكوك حول قدرة الشركة على مواجهة الأزمة بمفردها.

ماتي بيكينك مدير وحدة "إيكومنويست إنتيلجينس" البحثية الأمريكية المعنية بالصين، اعتبر أن أزمة "إيفرجراند" سببها الطموحات المبالغ فيها و"العدوانية"، بحسب تعبيره، وتوسعها غير المدروس، وابتعادها بالتدريج عن نشاطها الرئيسي، وهو العقارات، والاتحاه لمجالات أخرى ومتشعبة.

محللو "جولدمان ساكس" أيضا تحدثوا عن حالة من الغموض حول قدرات الشركة على مواجهة هذه الأزمة، لسبب آخر وهو أن هيكل الشركة التنظيمي والمالي غير دقيق وغير مفهوم، ويصل إلى درجة من التعقيد وغياب الشفافية.

وخبراء آخرون قالوا إن جذور الأزمة تعود إلى التراجع الحاد الذي يشهده حجم الطلب على قطاع العقارات في الصين بشكل عام منذ سنوات.

الشركة بشكل عام اتخذت بعض الخطوات المحدودة لبدء سداد ديونها، فأعلنت قبل أيام عن بيع حصة من نصيبها في بنك محلي بقيمة 1,5 مليار دولار، لتوفير السيولة اللازمة لسداد فوائد الديون، ولكنها حتى الآن، لم تضع حلا نهائيا، ولم تجد مشترين لأجزاء من أعمالها، مثل السيارات الكهربائية والخدمات العقارية.

أما عن تأثيرات الأزمة، فقد بدأت في صورة بعض المظاهرات والوقفات الاحتجاجية لمواطنين صينيين غاضبين أمام مقر الشركة في "شينزن"، وخفضت مؤسستا "فيتش" و"موديز" تصنيفهما الائتماني لـ"إيفجراند" بشكل كبير بسبب ما وصفتاه بـ"أزمة سيولة خطيرة تواجهها"، كما أحدثت الأزمة هزة عنيفة في أوساط المستثمرين الصينيين بشكل عام، وبدأوا يتحدثون عن شكاواهم بشكل علني من التدخل الحكومي الصيني المستمر في عمل القطاع الخاص، وبخاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات.

وكان من الطبيعي أيضا أن تشهد بورصات عالمية مثل هونج كونج ونيويورك تراجعات كبيرة خوفا من تداعيات "جائحة" إيفرجراند، التي اعتبرها البعض لا تقل خطورة عن جائحة كورونا، فضلا عن إثارة مخاوف من تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني بشكل عام.

أما عن احتمالات وسيناريوهات الأزمة، فالمؤكد أن الأمر على أرض الواقع لا يزال تحت السيطرة بشكل كبير، فالحكومة الصينية تبدو مستعدة للتدخل بكل ثقلها لتعويض جزء كبير من خسائر الشركة، وقبل أيام، ضخ بنك الشعب الصيني مبالغ هائلة لتوفير السيولة في الأسواق، لدرجة أنه في يوم واحد، وتحديدا يوم الثلاثاء الماضي، ضخ البنك مائة مليار يوان، أي حوالي 15,5 مليار دولار.

وأصدر البنك المركزي بيانا مطمنا تعهد فيه بالحفاظ على استقرار الأوضاع في سوق العقارات بالبلاد، وحماية حقوق ومصالح المستهلكين.

وتؤكد شبكة "بلومبيرج" من جانبها أن الحكومة الصينية جادة للغاية في حماية مصالح آلاف من العملاء الذين لا تزال لديهم شقق ومنازل لم يكتمل بناؤها أو تجهيزها، فضلا عن مصالح العاملين في قطاع التشيد، والموردين، وصغار المستثمرين.

وتدرك الصين أن تدخلها في الأزمة بكل ثقلها هو الحل الأمثل، لأنه اختبار لقوة اقتصادها، ولمصداقية الدولة الصينية، وهو أمر لن تغامر به، خاصة وأن هناك حديث عن أن الحكومة بصدد إعادة تنظيم وترتيب البيت من الداخل فيما يتعلق بالقوانين المنظمة لسوق العقارات، مع الوضع في الاعتبار أن الحكومة لا يهمها إنقاذ الشركة من الإفلاس بقدر ما يهمها حماية الاقتصاد، من هذا الثقب الأسود الذي يهدده، حسب وصف الإعلام المحلي الصيني نفسه، وهو ما يتضح من حديث السلطات الصينية أكثر من مرة عن رغبتها في تطهير الاقتصاد من الديون الرديئة لبعض شركاتها، حتى في أوج أزمة كورونا.

بشكل عام، موقف الحكومة الصينية الحاسم، وموافقة الشركة على تسوية بعض مدفوعات الفائدة على السندات المحلية، وضخ السيولة في النظام المصرفي، كلها شواهد تؤكد أن الأزمة في طريقها للحل، وأن السيناريوهات الأسوأ لن تتحقق، خاصة وأن إيفرجراند ليست مجرد شركة، بل واحدة من أيقونات الاقتصاد الصيني، كما سبق الذكر، ووصفتها "بي.بي.سي" بأنها من الصعب أن يتركونها تنهار، أو Too big to fail.

وليس صحيحا أو دقيقا ما ذكرته بعض الوسائل الإعلامية الغربية من أن سبب أزمة "إيفرجراند" هو القواعد الصارمة التي فرضتها بكين على قطاع العقارات الصيني منذ العام الماضي، والمعروفة باسم "الخطوط الحمراء الثلاثة"، بهدف كبح جماح الديون وجعل العقارات في متناول الأسرة الصينية  العادية، حيث تضمنت تلك الإجراءات وضع حد أقصى للديون فيما يتعلق بالتدفقات النقدية والأصول ومستويات رأس المال للشركة، فما زال الأمر مرتبطا بأداء إيفرجراند نفسها، كما سبق الذكر.

ومن الصعب أيضا تحقق ما حذرت منه جيني زينج من شركة "أليانس بيرنشتاين" لشبكة "سي.إن.بي.سي." الأمريكية من أن أزمة إيفرجراند قد يكون لها "تأثير الدومينو" على قطاع العقارات في الصينن فهذا التحذير يفنده سيمون ماك آدم كبير الاقتصاديين العالميين في مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس"، حيث توقع أن يكون للتخلف عن السداد أو حتى الانهيار الفوضوي لشركة إيفرجراند تأثير عالمي ضئيل فقط، بخلاف بعض الاضطرابات في السوق.

أما الأسواق العربية والمصرية، فهناك صعوبة كبيرة في أن تشهد تأثيرات سلبية عليها بسبب أزمة إيفرجراند الصينية، نظرا لأن من المستبعد أولا أن تتعامل الحكومة الصينية بشكل سيء أو متهاون مع هذه الأزمة، كما أن الاقتصاد المصري ثانيا، يبدو في معزل عن هذه الأزمة، والتي لن تتعدى تأثيراتها بعض التراجعات في تداولات البورصة، وهو أمر طبيعي، فضلا عن أن سوق العقارات المصرية بشكل عام غير مرتبطة بشكل مباشر بقطاع العقارات الصيني، كما يتميز في الفترة الحالية بالحيوية وانتعاش الطلب.