السبت 27 ابريل

آراء وتقارير

مصر .. أغنياء أم فقراء؟


مصر .. أغنياء أم فقراء؟

في الوقت الذي كان فيه المواطن "أ." يقف في طابور معاناة طويل انتظارا لدوره في قائمة الحاجزين لشاليه في الساحل الشمالي بقيمة 12 مليون جنيه.

وفي الوقت الذي كان فيه المواطن "ب" يقف في طابور "الكاشير" في أحد محلات الهايبر ماركت الشهيرة يشكو من فاتورة مشترياته من السلع الغذائية التي تخطت الخمسة آلاف جنيه.

كان المواطن "ج" يقف متأففا داخل سيارة "الميني باص" التي تنقله إلى محل عمله، ويشكو ارتفاع سعر تذكرة الركوب بمقدار 50 قرشا.

إنها "الحالة ج"، كما يسميها المصريون!

فالتضخم يضرب الجميع، من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى.

فالمواطن الذي يشكو من ارتفاع سعر كرتونة البيض، لا يدرك أن المواطن الآخر الذي لا يعاني من مشكلة بسبب ارتفاع سعر البيض، يعاني من ارتفاع أسعار السلع التي تعد أساسية بالنسبة له.

السيارة قد تبدو سلعة رفاهية في نظر البعض، ولكنها سلعة أساسية، ومسألة "حياة أو موت" بالنسبة لآخرين.

الأمر نفسه ينطبق على المحمول، فهو سلعة استفزازية بالنسبة للفقراء، ولعامة الناس، ولكنه بالنسبة لآخرين، شرط من شروط استمرار الحياة، بل ويجب توافر أحدث الموبايلات في أيدي أبنائهن، لأنه وسيلة التواصل الوحيدة بينهم.

في العالم بأكمله، يعاني الجميع من ارتفاع الأسعار، بداية من أسعار المواد الخام، ومكونات الإنتاج، وسلاسل التوريد، وأسعار الوقود والطاقة، والفوارق موجودة بين دولة وأخرى.

وفي مصر أيضا الوضع كذلك.

إنها الحرب، وتداعيات جائحة كورونا.

فكلاهما تأثيره مر، ولم ينج منه أحد، والقادم قد يكون أسوأ، وقد يكون أفضل، لا أحد يدري.

من مجالات الجدال العقيمة طرح تساؤلات من نوعية: هل مصر بلد غني أم فقير؟ وهل شعبها من الفقراء أم من الأغنياء؟

هل يمثل المواطن "ج" جميع المصريين؟

وهل يمثل المواطن "أ" القطاع الأكبر من شعب مصر؟

الإجابة محايدة، وغير قاطعة، فمع التضخم، لا فارق بين غني وفقير، وحتى الدولة، تتعامل مع هذا المواطن وذاك، كل حسب احتياجاته وتطلعاته، فكما أنها ملزمة بتوفير برامج الحماية لمحدودي الدخل في صورة بطاقات تموين أو معاشات "تكافل وكرامة"، أو مشروع "حياة كريمة"، فإنها أيضا مطالبة بتوفير احتياجات المواطن "أ" من رفاهيات وكماليات، في نظر كثيرين، نظرا لأنها في حاجة ماسة إلى حصيلة الضرائب التي تنجم عن مشترياته، وتحتاج إلى كل "قادر" لزيادة الاستثمارات، وتطوير الصناعات، ومضاعفة الصادرات، وتوفير فرص عمل.

أحيانا تضطر الدولة إلى التفكير في مصلحة طرف على حساب آخر، فضوابط الاستيراد حرمت سوق السيارات من توافر قطع الغيار، ودفعت مواطنين كثيرين إلى "ركن" سياراتهم.

ولكن في المقابل، تحتاج الحكومة إلى إنفاق ما لديها من نقد أجنبي فقط للحصول على السلع الغذائية الأساسية المستوردة من الخارج، وعلى رأسها القمح وزيت الطعام والوقود بأنواعه.

الأولويات تختلف من شخص لآخر، ولكنها بالنسبة للدولة التي تحكم شئون "أ" و"ب" و"ج" واضحة ومحددة، لأن "جيم" له الأولوية.

آخر الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تقول إن معدل التضخم السنوي لأسعار السلع بإجمالي أنحاء الجمهورية وصل خلال يونيو الماضي إلى 14,7%، في مقابل 5,3% خلال يونيو 2021، أي بارتفاع نسبته 9,4%.

معدل التضخم السنوي ارتفع بشكل تصاعدي كبير في مايو بنسبة 10,4% ليبلغ 15,3%،  وفي أبريل الماضي بنسبة 10,5% ليسجل 14,9%،  وفي مارس بنسبة 7,3% ليبلغ 12,1%، وفي فبراير بنسبة 5,1% ليبلغ 10% في مقابل 4,9% خلال فبراير 2021، بينما كان قد سجل 8% خلال يناير، و 6,5% خلال ديسمبر 2021، وسجل 6,2% في نوفمبر، و7,3% في أكتوبر، وسجل 8% في سبتمبر.

كل هذه الارتفاعات تابعها المصريون بمختلف فئاتهم، والبعض منهم حمل الحكومة مسئولية ذلك، رغم أن المسئولية "خارجية"، تقع على ظروف الجائحة، وعلى عاتق من أشعلوا نيران حرب في أوكرانيا.

الأرقام تشير إلى ارتفاع تكلفة الطعام والمشروبات على المصريين بنسبة 24,2% في شهر يونيو على أساس سنوي، وارتفاعها بالنسبة لوسائل النقل والمواصلات بنسبة 8,2%، وفي التعليم 13,9%، والرعاية الصحية بنسبة 5,7%، والمطاعم والفنادق بنسبة 19,1%.

وشهدت أسعار السلع والخدمات المختلفة بصورة كبيرة، أثرت على حياة المواطن محدود الدخل، ومتوسط الدخل، ومرتفع الدخل أيضا.

فهناك ارتفاع مثلا في تكلفة المشروبات الكحولية والدخان على أساس سنوي خلال الشهر الماضي بنحو 5,6%، والثقافة والترفيه بنسبة 29,7%، والأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية والصيانة بنسبة 11,4%، وارتفعت تكلفة المسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود 8,7%، والسلع والخدمات المتنوعة بنسبة 10,1%، والملابس والأحذية بنسبة 9,3%، والاتصالات السلكية واللاسلكية نحو 0,7%.

الدولة من جانبها تعترف بأن هناك أزمة، ولكن المشكلة أن المواطن يشعر بأن الحمل زائد عليه، لا يهم من المسئول عن الأزمة، ولا يجد أمامه سوى الحكومة ليحملها المسئولية.

وفي ظل موجة التضخم، كل ما هو مطلوب من المواطن هو الوعي بما يجري من حوله، وترشيد الإنفاق، وإعادة ترتيب الأولويات وميزانيات كل منزل.

وكل ما هو مطلوب من الدولة، مواصلة الإنتاج، والتصدير، وتنمية موارد الدخل القومي، وزيادة المكون المحلي، ومساحات الأراضي المزروعة، مع قليل من الحظ.

وعلى وسائل الإعلام دور مهم في نقل الصورة الصحيحة للوضع الاقتصادي، بعيدا عن التهويل، والتمجيد، وأيضا بعيدا عن المبالغة في التشاؤم و"تسويد" الأمور، خاصة وأن هناك دولا ذات اقتصاديات عملاقة تئن هي أيضا وتتوجع، وتواجه مشكلات وقود وتضخم وخلافه، ولا تفلح معها دخول مرتفعة.

في زمن التضخم، يحتاج كل طرف إلى إعادة ترتيب أولوياته ونظرته للأمور.

ولو بقي الحال على ما هو عليه، وكأن أزمة لم تكن، ستزداد معاناة الجميع، الدولة، و"أ." و"ب." و"ج."، ولن تفلح شكاوى أو مطالب أو اقتراحات.

وقد يصبح الجميع "ج".