الأثنين 29 ابريل

تعدين وطاقة

أسعار البترول قد تكسر حاجر المائة دولار بسبب صدمات العرض العالمية


عوامل أقليمية تتضافر للصعود بأسعار النفط

عندما قفزت أسعار النفط إلى ما فوق 90 دولاراً للبرميل قبل بضعة أيام فقط، كانت التوترات العسكرية بين إسرائيل وإيران هي السبب المباشر لذلك. لكن أسس الارتفاع ذهبت أعمق من ذلك، إلى صدمات العرض العالمية التي تزيد المخاوف من عودة التضخم المدعوم بارتفاع أسعار السلع الأساسية.

أدت الخطوة الأخيرة التي اتخذتها المكسيك المتمثلة في خفض صادراتها من النفط الخام إلى تفاقم الضغط العالمي، مما دفع مصافي التكرير في الولايات المتحدة التي أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم، إلى استهلاك المزيد من البراميل المحلية.

كما ساهمت العقوبات الأميركية بتقطيع السبل أمام البضائع الروسية في البحر، في وقت يتوقع أن تكون الإمدادات الفنزويلية الهدف التالي المحتمل. عملت هجمات جماعة الحوثي على الناقلات في البحر الأحمر، على تأخير شحنات النفط الخام. ورغم كل هذه العوامل، يتمسك تحالف "أوبك+" بسياسة خفض الإنتاج. كل هذه العوامل تضاف إلى ضخامة اضطرابات العرض، والتي فاجأت المتداولين.

تساهم هذه الأزمات بتحفيز ارتفاع الأسعار قبل بداية موسم القيادة الصيفي في الولايات المتحدة، ما يهدد بدفع أسعار خام "برنت" إلى 100 دولار للمرة الأولى منذ عامين تقريباً.

وهذا يزيد من المخاوف التضخمية التي قد تؤثر على فرص إعادة انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن، ومن تعقيد مداولات البنوك المركزية بشأن خفض أسعار الفائدة.

قالت أمريتا سين، مؤسسة ومديرة الأبحاث في شركة "إنيرجي أسبكتس" (Energy Aspects) في مقابلة مع "تلفزيون بلومبرج"، إن جانب العرض هو المحرك الأكبر الآن بالنسبة للنفط"، مضيفةً: "لقد رأيت عدداً لا بأس به من عناصر ضعف العرض، في حين أن الطلب العالمي بشكل عام صحي".

انخفضت شحنات النفط من المكسيك، المورد الرئيسي في الأميركتين، بنسبة 35% الشهر الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2019، حيث يحاول الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور الوفاء بوعوده بإبعاد البلاد عن واردات الوقود المكلفة.

وذكرت "بلومبرغ نيوز" الأسبوع الماضي، أن صادرات البلاد من النفط الخام عالي الكبريت، وهو النوع الثقيل والكثيف الذي صممت العديد من مصافي التكرير لمعالجته، قد تتقلص بشكل أكبر، بعدما ألغت شركة النفط التي تسيطر عليها الدولة "بيميكس" بعض عقود التوريد لمصافي التكرير الأجنبية.

أدى هذا القرار إلى اضطراب أسواق النفط في جميع أنحاء العالم. وارتفعت "مزيج مارس"، وهو خام عالي الكبريت متوسط الكثافة من ساحل الخليج الأميركي، في الأيام الأخيرة إلى علاوة لعدة سنوات فوق خام غرب تكساس الوسيط الأخف وزناً، وهو المعيار الوطني. يتم تداول خام "مارس" عادة بسعر مخفض لخام غرب تكساس الوسيط. وسجلت أسعار "برنت" 90 دولاراً للبرميل يوم الخميس، وهي أعلى مستوى لها منذ أكتوبر، وواصل الخام مكاسبه يوم الجمعة. قال "جي بي مورغان تشيس" إن السعر قد يصل إلى 100 دولار بحلول أغسطس أو سبتمبر.

تم تداول نفط بحيرة "كولد ليك" الكندية المسعر في ساحل الخليج بأضيق سعر لخام غرب تكساس الوسيط منذ عام تقريباً. وتشهد المؤشرات الرئيسية لخام الشرق الأوسط متوسط الكبريت، مثل عقود عمان ودبي، ارتفاعاً أيضاً.

 

قبل تحرك المكسيك، كانت هناك سلسلة من انقطاعات الإمدادات الكبيرة والصغيرة. وفي يناير، أدى التجميد إلى تآكل إنتاج النفط الخام ومخزوناته في الولايات المتحدة في وقت كانت تنمو فيه عادة، مما أدى إلى إبقاء المخزونات أقل من المتوسطات الموسمية حتى أواخر مارس.

وأظهرت بيانات تتبع الناقلات التي جمعتها "بلومبرج" أن المكسيك والولايات المتحدة وقطر والعراق خفضت تدفقاتها النفطية مجتمعة بأكثر من مليون برميل يومياً في مارس. وتعهدت بغداد بالحد من الإنتاج لتعويض عدم الامتثال بتعهداتها السابقة في إطار تحالف "أوبك+".

مما زاد من الضيق في سوق النفط، قيام دولة الإمارات عضو منظمة "أوبك"، بتقليص شحنات خام زاكوم العلوي، وهو نفط متوسط الحموضة، بنسبة 41% في مارس، مقارنة بمتوسط العام الماضي، وفقاً لبيانات من شركة "كبلر". وقال تجار إن شركة النفط الحكومية تحول المزيد من إمدادات هذا الخام إلى مصفاتها الخاصة.

وعلى الرغم من أن التخفيضات كانت متوقعة، وأن شركة بترول أبوظبي الوطنية أدنوك

تقدم للمشترين نوعاً آخر من النفط الخام كبديل، فإن انخفاض صادرات زاكوم العلوي يساهم في ارتفاع الأسعار الإقليمية، وسط تقليص إنتاج "أوبك+".

وفي الوقت نفسه، تعرضت أسواق النفط الخام في أوروبا لضغوط مرتفعة بسبب هجمات جماعة الحوثي في البحر الأحمر، والتي دفعت ملايين البراميل من النفط إلى رحلة حول أفريقيا، وأدى إلى تأخير بعض الإمدادات لأسابيع. كما ساهمت الاضطرابات في خط أنابيب رئيسي في بحر الشمال، والاضطرابات في ليبيا، وتضرر خط أنابيب في جنوب السودان، في ارتفاع الأسعار، في حين حرمت العقوبات الأميركية روسيا من الناقلات التي كانت تنقل نفطها في السابق إلى المشترين بما في ذلك الهند.

 

وقد تصبح أزمة العرض أكثر حدة في الأسابيع المقبلة، خصوصاً مع عدم إظهار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أي علامة على الاستجابة للوعود بالتحرك نحو انتخابات حرة ونزيهة، ما يعني إمكانية تحرك إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نحو إعادة فرض العقوبات هذا الشهر.

قالت سامانثا هارتكي، المحللة في شركة "سبارتا كوموديتيز" إن سوق النفط الأثقل والأكثر حموضة "كانت في نطاق هبوطي لبعض الوقت الآن، لكن هذا الضيق في الأسواق الأكثر حموضة، والتوقعات لموسم القيادة الصيفي في الولايات المتحدة، تشير إلى أن السوق تتجه نحو منعطف".

واقع سوق النفط يمثل تناقضاً صارخاً عما كان عليه الوضع قبل بضعة أشهر فقط، عندما انخفضت الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ عدة أشهر مع ارتفاع الإنتاج الأميركي، وزيادة صادرات النفط الخام الروسية المنقولة بحراً، على الرغم من العقوبات التي تم توسيعها منذ ذلك الحين. وبعد أن توقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن تظل المخزونات العالمية من دون تغيير خلال هذا الربع، تتوقع الآن أنها ستنخفض بمقدار 900 ألف برميل يومياً. وهذا يعادل حجم الإنتاج من سلطنة عُمان.

ويأتي ضغط العرض مع تزايد الطلب. إذ تستعد شركات التكرير في الولايات المتحدة لزيادة إنتاج الوقود لفصل الصيف، عندما يخرج ملايين الأميركيين إلى الطرق، ما يرفع استهلاك البنزين إلى ذروته. وتتقلص مخزونات البنزين على الساحل الشرقي المكتظ بالسكان، ويشير نشاط التصنيع في الولايات المتحدة والصين أيضاً إلى زيادة في استخدام الوقود. وفي آسيا، تزيد هوامش التكرير بنحو 50% عن المتوسط الموسمي لخمس سنوات، مما يشير إلى الطلب الصحي.

أدى ارتفاع النفط الخام إلى عرقلة خطط إدارة بايدن لإعادة ملء احتياطيات النفط الأميركية الطارئة، والتي وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ 40 عاماً بعد سحب غير مسبوق إثر الحرب الروسية على أوكرانيا. كما تمثل مخاطرة سياسية بالنسبة لبايدن، خصوصاً مع بقاء أسعار المواد الغذائية والطاقة مرتفعة بشكل عنيد.

ويهدد ارتفاع أسعار النفط بدفع أسعار بنزين التجزئة، الذي يقترب متوسطة اليومي الوطني من 3.6 دولار للغالون، إلى قرابة 4 دولارات، وهو مستوى نفسي رئيسي. وهذا يساهم في القلق من أن السلع ستعكس التباطؤ الأخير في مكاسب مكافحة التضخم.

تعزز أسعار النفط الآن معدل التضخم في الولايات المتحدة، بعد أن تراجعت في نهاية العام الماضي. قد يكون ذلك واضحاً مرة أخرى في مؤشر أسعار المستهلكين لشهر مارس المقرر صدوره يوم الأربعاء، حيث من المتوقع أن يتسارع مؤشر أسعار المستهلكين الإجمالي على أساس سنوي، في حين من المتوقع أن ينخفض المؤشر الأساسي الذي يستثني الغذاء والطاقة. وصل مؤشر بلومبرغ للسلع الأساسية إلى أعلى مستوى له منذ نوفمبر.

وقال فيكاس دويفيدي، استراتيجي النفط والغاز في مجموعة "ماكواري"، إن ارتفاع أسعار النفط الخام قد يجبر أوبك + في النهاية على تقليص بعض تخفيضات الإنتاج.

ويمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير عن 90 دولاراً إلى إضعاف الطلب العالمي، وانخفاض الأسعار في نهاية المطاف، وفقاً لبنك "جيه بي مورغان". لكن حتى الآن، لا توجد دلائل تذكر على حدوث ذلك.

أشار بوب ماكنالي، مؤسس مجموعة "رابيديان إنرجي غروب" (Rapidan Energy Group) الاستشارية، والمستشار السابق للبيت الأبيض، إن "السوق تقوم على أسس أساسية ثابتة، بلا شك". وأضاف في مقابلة مع "تلفزيون بلومبرج": "أعتقد أن سعر 100 دولار للنفط أمر حقيقي تماماً، فهو يتطلب فقط المزيد من تسعير المخاطر على المخاطر الجيوسياسية الحقيقية".